لم يخف الرئيس الأميركي باراك أوباما وزوجته ميشيل حماسهما وتشوقهما للقاء الملكة اليزابيث الثانية في قصر باكينغهام بعد ظهر أول من أمس، وبعد انتهاء اللقاء الكبير في إحدى قاعات القصر، لم تمسك السيدة الأولى نفسها فوضعت ذراعها الأيسر على كتف الملكة بعد انتهاء اللقاء الذي جمعهما في قصر باكينغهام لتخترق بذلك القواعد التي تمنع لمس الملكة. وعند تلك اللحظة كانت الملكة تتكلم مع السيدة الأولى عن فارق طول القامة بينهما، فالحديث كان حميما وطريفا.
وبذلك تكون ميشيل أوباما أول سيدة أولى تتجرأ على خرق البروتوكول الملكي الذي يحظر لمس الملكة أو حتى مصافحتها في بعض الأحيان، غير أن الملكة (82 عاما) لم تبد منزعجة من تصرف السيدة الأولى فوضعت ذراعها هي الأخرى حول خصر أوباما، وكأنها أرادت أن توصل رسالة بأنها راضية عن هذا التصرف أو كأنها تريد أن تقول بأن الأميركيين يتسمون بلغة جسد منفتحة أكثر من تلك التي يتمتع بها البريطانيون كونهم من الشعوب المحافظة.
زيارة ملكة بريطانيا تعتبر من المسائل الجدية التي تتسم بالرهبة ولو كان الضيف أقوى رئيس جمهورية في العالم، فقبيل كل زيارة بروتوكولية تتم مناقشة البروتوكول والمسموح وغير المسموح به من تصرفات، وهذا ما حصل بالفعل مع أوباما، فتم شرح الخطوط العريضة للبروتوكول المتبع في القصر الملكي البريطاني، فقام الرئيس بالانحناء أمام جلالة الملكة، كما التزمت ميشيل بطريقة الوقوف أمام الملكة مثل وضع القدم اليمنى وراء كعب القدم اليسرى وثني الركبتين قليلا، وهذا ما قامت به السيدة الأولى. كما تم شرح طريقة إلقاء التحية على الملكة كمناداتها «جلالتك» في مستهل اللقاء وبعدها يمكن نداؤها بـ«مام» وهذا تعبير مرادف لـ«سيدتي».
يبدو أن بروتوكول القصر الملكي البريطاني أصبح أكثر مرونة ففي السابق كان يطلب من زوار القصر عدم مد أياديهم لسلام الملكة إلا بعد أن تقوم الملكة بمد ذراعها أولا للمصافحة كما كان يتم إعلام الزوار مسبقا بأن الحضن والقبلات ووضع اليد على كتف الملكة غير مسموح به، ويقول متحدث باسم القصر الملكي بأنه عادة لا يفرض البروتوكول على الضيوف بالقوة إنما التصرف المخطئ من شأنه أن يتسبب في وضع الضيف في مأزق لا مفر منه.
وهذا ما حصل في الماضي مع رئيس الوزراء الاسترالي السابق بول كيتينغ عندما قام بزيارة الملكة عام 1992 ووضع ذراعه حول كتف الملكة، وحينها أطلق عليه عدة تسميات من بينها «سحلية أستراليا» ولم يتعلم رئيس الوزراء الاسترالي الذي خلفه جون هواورد من غلطة الرئيس الأسبق بل وقع في نفس الخطأ عندما قام بنفس الحركة عندما زار الملكة، مما دعا متحدث باسم الحكومة الاسترالية لإصدار بيان مفاده: «نحن ننكر حصول أي حركة لمس».
وضمن التغطية الإعلامية لقمة مجموعة العشرين التي قامت بها وسائل الإعلام البريطانية، تم التشديد على انبهار الرئيس الأميركي وزوجته ميشيل بلقاء المكلة الذي وصفاه بـ«الرائع». وشدة انبهار أوباما بلقاء الملكة أدى به إلى الاتصال بابنتيه ماليا وساشا بعد لحظات من تركه القصر لإعلامهما بلقائه الملكة واصفا اللقاء بالرائع، بحيث صرح المتحدث باسم البيت الأبيض بأن الرئيس كان ممتنا من اللقاء الذي وصفه بالودي والجميل، وأضاف المتحدث باسم البيت الأبيض عبر برنامج صباحي بثته قناة «إن بي سي» أن الرئيس أوباما شبه الملكة بجدته بفارق واحد هو حجم المنزل، بالإشارة إلى حجم قصر باكينغهام الشاسع.
وفي اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي والسيدة الأولى مع ملكة بريطانيا تواجد زوج المكلة الأمير فيليب وكعادته لم يتخل عن مداعباته التي غالبا ما تنتهي بهفوات تفرض على قصر باكينغهام الاعتذار في بعض الأحيان عنها أو التستر عليها، ومن آخر هفواته، كان حديثه إلى الرئيس الأميركي وسؤاله عما إذا باستطاعته التفريق ما بين الزعماء الذين التقاهم في القمة مثل رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون وكل من رئيسي الصين وروسيا.
وبدت مقابلة الرئيس الأميركي والسيدة الأولى مع الملكة التي استمرت لساعات في قاعة خاصة مطلة على حدائق قصر باكينغهام حميمية جدا، وتم فيها تبادل الهدايا، حيث قدم الرئيس أوباما وزوجته للملكة جهاز «آي بود» محملا بصور ولقطات من زيارتها إلى الولايات المتحدة عام 2007 بالإضافة إلى مجموعة من الأغاني من بينها 40 قطعة موسيقية من عروض «البرودواي» المسرحي الشهير في أميركا إضافة إلى الإكسسوارات، كما تم إهداؤها كتاب موسيقي نادر موقع من المؤلف الموسيقي الشهير ريتشارد رودجرز.
والملكة قدمت بدورها إطارا للصور من الفضة يحمل توقيعها الشخصي وهذه الهدية هي نفسها التي تقدمها لجميع زوارها الرسميين.
ومن الهدايا الأخرى التي تلقاه الرئيس أوباما وزوجته، ثياب من محلات ماركس اند سبنسر قدمتها زوجة رئيس الوزراء البريطاني سارة براون لكل من ابنتي الرئيس أوباما ماليا وساشا، وهذا الاختيار يدل على محاولة إبراز اللقاء بين العائلتين على أنه ودي وبسيط وخال من التكلف.
المعروف عن الرئيس أوباما بساطته وعفويته في التصرف مع المحيطين به منذ أن بدأ حملته الانتخابية إلى أن أصبح رئيسا للولايات المتحدة، كما أن لغة الجسد تلعب دورا مهما، فعند وصوله إلى مقر رئيس الحكومة قبل بدء القمة منذ يومين، لم يغفل الرئيس عن إلقاء التحية والسلام باليد على أحد حراس المقر الواقفين خارج 10 داونينغ ستريت، كما أن أوباما يحرص دائما على إلقاء التحية على الجميع، ففي لقطة بثتها جميع وسائل الإعلام، ظهر الرئيس أوباما وهو يخرج من الهليكوبتر الخاصة به، وبعد إلقاء التحية على المصورين وهؤلاء الذين كانوا بانتظاره تنبه إلى أنه لم يودع الطيار ومساعده فتراجع عدة خطوات لوداعهما ومن ثم أكمل طريقه.
كما تظهر السيدة الأميركية الأولى على أنها امرأة عادية وغير متكبرة ومبتسمة على الدوام، لا تمر لحظة إلا وتراها تعانق زوجها وتلمس يده، ولغة الجسد قوية، فهي تظهر المشاعر القوية التي تربط الناس، وربما هذا هو السبب الذي دعا السيدة الأولى إلى التمادي في سلامها مع الملكة لحد العناق، أو أن قلق ميشيل أوباما من لقاء الملكة بحسب ما ألمح إليه الرئيس قد يكون سببا لتصرفها الذي قد يكون خرقا للبروتوكول الملكي ولكنه بدا أحلى من العسل على قلب الملكة.