عدد كبير من الشخصيات الاجتماعية والسياسية، تقدمهم وزير السياحة اللبناني إيلي ماروني، لبوا دعوة المصمم اللبناني ماجد بو طانوس ليس لحضور عرض مجموعته الجديدة، ذلك أن المناسبة خلت من العارضات المتمايلات والفساتين الطويلة، بل لتوقيع باكورة مؤلفاته «تاريخ الأزياء اللبنانية».
خمسة عشر عاما أمضاها بو طانوس في العمل على هذا الكتاب الذي يجمع بين دفتيه أزياء ترقى إلى العهود الفينيقية والرومانية والعثمانية والمعنية والشهابية.
فهذا المصمم الذي يدرِس مادة تاريخ الأزياء في المعاهد والكليات المتخصصة بالتصميم في لبنان، لاحظ نقصا كبيرا في توافر مراجع تجمع تاريخ الأزياء اللبنانية على مر العصور.
فدفعه حبه لهذه المهنة وشغفه بتاريخها وولعه بالحضارات التي مرت على لبنان وعكست ثقافاتها بأزيائها، إلى لملمة ما توافر من معلومات موثوقة بهدف جمعها في مرجع يضعه بين أيدي طلابه ومحبي الاطلاع على هذا النوع من التأريخ.
فما كان منه إلا أن بدأ بجمع ما أمكن من المقالات والكتب التي تناولت موضوع درسه بهدف تقديمها في قالب أراده أن يكون بعيدا عن الشعر والأدب، مفضلا تقديم مادة علمية، تنقل صورة حقيقية عن حقبات غابرة وذلك عبر التركيز على الواقع الحياتي للشعوب التي سكنت المناطق اللبنانية المختلفة قبل أن تتأسس دولة لبنان الكبير وعبر توثيق حقبات من التاريخ المعاصر وأرشفتها.
كل ذلك وفقا لمنهجية تاريخية محددة، أشرف عليها رئيس قسم التاريخ في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية الدكتور عبد الله ملاح الذي قدم للكتاب، بحسب ما أوضح بو طانوس في مقابلة مع «الشرق الأوسط».
وقال: «أحاضر عن تاريخ الأزياء الإفريقية والأوروبية وغيرها من الحضارات، استغربت عدم وجود مرجع لبناني يؤرشف تاريخ أزيائنا رغم الغنى الحضاري الذي نتمتع به. فقررت العمل على هذا الموضوع.
ومع الوقت، لاحظت من خلال المقارنة، أن الزخرفة والاعتناء بتفاصيل الثياب في لبنان يعادل بدقته واحترافه الأزياء الغربية للطبقات الأرستقراطية».
ومن أبرز الصعاب التي واجهته، إضافة إلى ندرة المراجع، تضارب المعلومات الواردة في عدد من المقالات فما كان منه لحل بعض «المعضلات» إلا اللجوء إلى عدد من الكتب المعروفة ككتاب المؤرخ فيليب حتّي «تاريخ لبنان منذ أقدم العصور التاريخية إلى عصرنا الحاضر».
لكن الندرة التي واجهها خلال نبشه في التاريخ، حاربها بإعطاء الوقت اللازم لجمع «نحو مائة من المراجع العربية والأجنبية وقراءة نحو 50 كتابا. لذلك لا يمكن القول إنني اعتمدت على مرجع أساسي.
كما أنني لم أتبع مخططا معينا لدى بدء العمل لأن المخطط أخذ يتألف مع تقدم البحث حتى تمكنت في النهاية من إصدار عمل يوثق تاريخنا في الأزياء حتى لا يبهت أو يطمره النسيان»، يقول بو طانوس مضيفا: «اهتمامي بالأزياء المسرحية خصوصا التاريخية منها، زاد رغبتي في إتمام هذا العمل لما له من أثر إيجابي في ترتيب المعلومات التي جمعت».
وأشار إلى «النقص الكبير في المتحف الوطني اللبناني لناحية عدم عرضه ما يملك من آثار تتناول الأزياء التي تركتها الحضارات المتعاقبة».
واللافت أن بو طانوس بدا حريصا على إرساء توازن بين الصور التي انتقاها من المراجع التي ذكر والمعلومات التي أرفقها. فلم تطغ فئة على الأخرى.
وكلما أفرد حيزا لمجموعة من الصور، سارع إلى وضعها في سياقها التاريخي عبر مقاطع إما منتقاة من كتب وإما جاءت عصارة ما اختمره بو طانوس مع تراكم قراءاته. وقبل الانتقال من حقبة إلى حقبة يقدم للقارئ لمحة عن تاريخ الحضارة أو العائلة الحاكمة كالمعنيين والشهابيين.
كما يتعرف القارئ إلى مجموعة من العبارات كانت تستخدم في حقبات مختلفة للدلالة، إما إلى تصاميم معينة انتقلت إلى المناطق اللبنانية عبر الغزوات والاحتلالات والاختلاط الحضاري وإما إلى مواد أساسية في صنع الأقمشة.
ومن أراد تكوين «خزانة» لحفظ هذه المفردات، خلص إلى «قاموس للأزياء القديمة». فهناك «الستكروزة» أي الحرير الطبيعي، وهناك الـ«سبابي» أو «سباين» ويعني الرداء السروالي الطويل الذي راج في عهد المعنيين، يكون «مفتوحا من الجهة الأمامية، ويغطي كل الثياب ويصل إلى الكاحلين». وأهالي الجبل كانوا يغلفون أقدامهم بالـ«مست» وهي جوارب جلدية.
وهناك الـ«بأوضة» وهو فستان لبسته النساء في عهد الإمارة الشهابية، كذلك الـ«ملاكوف» وهو زي روسي الأصل، انتشر في هذه الحقبة نتيجة الاختلاط مع بلاد أوروبا الشرقية.
وككل مظهر من المظاهر الثقافية، عرفت الأزياء مراحل انتقالية مع تبدل أنظمة الحكم في جبل لبنان، فمع الانتقال من عهد الإمارة الشهابية إلى بداية المتصرفية وما رافقها من وفود موظفين أجانب، انتشر نوع جديد من الملابس يحكي بو طانوس تفاصيله في هذا الكتاب من دون أن يفوته التركيز على ألبسة الرجال لا سيما المحاربين على مر الحقبات التاريخية، ومنها ينتقل ليفرد حيزا مهما يفصل فيه أغطية الرأس التي كانت تشكل علامة من أهم العلامات التي تميز الرجال بين طبقات وانتماءات طائفية. باختصار، يخيط هذا المصمم حكايات للأجداد والجدات من البابوج إلى الطربوش!